عبدالرقيب عبدالوهاب.. لماذا اغتيل بطل السبعين؟!(10)
تصفية عبد الرقيب عبدالوهاب (1)
بعد العرض التمهيدي السابق لكل الأحداث المقدمة على تصفية عبدالرقيب وتياره، لقد رأينا من خلال سرد وتفاصيل للأحداث والمعطيات أن الأزمة ظلت تتصاعد بشكل دراماتيكي، وصولاً إلى قطف ثمرتها، أو رأسها، وهي تصفية عبدالرقيب ومن معه في 25 يناير عام 1969، ومحاولة سحل جثته في صنعاء، وعدم توديعه ودفنه بما يليق ببطل من أبطال اليمن في العصر الحديث، وذلك بعد قيام خصومه بتجريده من كل عوامل القوة، وركونهم إلى أنه بات ضعيفاً ومن اليسير التخلص منه دون أن يكون لاغتياله تبعات مناطقية أو طائفية أو حزبية؛ فقد سبق تصفيته تجريده من العمق الشعبي بعد أن صور أنه في الصف الإلحادي حتى أن الرأس الكبير لـ(الشافعية) ولمنطقته بشكل عام ولأسرته بشكل خاص وهو الأستاذ محمد أحمد النعمان كان في الصف المقابل لعبدالرقيب، وقد أشرنا إلى أن الصديق المؤرخ بلال الطيب يذكر أنه ينفرد بوجود وثيقة موقعة من مشايخ الحجرية بعدم مساندته بل وإدانته، وهو ما لم نجد ذكره عند بقية المعاصرين له أو رواة الأحداث!
إن أهم صفة يتصف بها التعزيون أنهم يدورون مع الدولة حيث دارت ويقفون معها حتى لو كانت على حساب أهاليهم دون التعصب القبلي أو الأسري أو المناطقي التي يركن إليها بقية اليمنيين في الأحداث على منطق (بين اخوتك مخطئ ولا وحدك مصيب)، وهو ما استغله خصومه في المضي قدماً في تصفية الرجل وتياره بشكل عام.
وعلى سبيل المثال نجد أن عبدالغني مطهر أثناء الحصار يقول انه استطاع جمع مقاومين شعبيين لأكثر من أربعة آلاف شخص، ولو كانت لديه روح العصبية والانتقام والتصفية والانحياز إلى القوة لأبقاهم وجمع مثلهم لمناصرة عبدالرقيب أو الضغط بهم لإخراجه هو من المعتقل وعدم تصفية نضاله سياسياً وتجارياً ثم نفياً خارج الوطن، لكنه لم يفعل، ولست أدري أهي صفة حميدة أم ذميمة للأتعوز!
من خلال قراءة العديد من المراجع لحادثة تصفية عبدالرقيب، نجد أن رواية سائدة على كل الروايات، وهي تلك التي قيلت على لسان علي سيف الخولاني، والتي تبنتها السلطات حينها، وتم تسريبها إلى وسائل الإعلام، وعلى رأسها وسائل الإعلام اللبنانية المقربة من السلطة الحاكمة في صنعاء، ودونت في مذكرات الشخصيات اليمنية بعدها، حتى أولئك المقربون من عبدالرقيب وأشياعه، ومن بقية الأطراف الأخرى أيضاً، كما سنرى لاحقاً، لم يخرجوا عن هذه الرواية سوى ببعض الملامح والتشكيكات والاستنتاجات، ولم تُرْوَ من جوانب أخرى.
وثمة روايات رئيسية هي الأوسع انتشاراً، سنوردها كما هي ليحكم من خلالها القراء.
أولاً: رواية الرئيس عبدالرحمن الإرياني
دوّن الرئيس الإرياني تلك الحادثة والرواية لمقتل عبدالرقيب في 25 يناير 1969، ولندعه يتحدث عن الحادثة بالتفصيل، فيقول:
سافرنا من صنعاء إلى تعز عن طريق يسلح لأول مرة بعد ثلاث سنوات، وكانت الطريق غير آمنة، وقد بقينا في تعز يومين وعدنا إلى صنعاء من نفس الطريق، وقد وصلنا إلى صنعاء لنواجه الحادثة المؤسفة؛ حادثة النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، قائد الصاعقة السابق.
وقد كان من المفروض أن يظل الضباط المبعدون إلى الجزائر بعد أحداث أغسطس ثلاثة أشهر، ثم يعودوا ليتولوا مناصب ثانوية، ولكنهم لم يكملوا المدة، فقد عادوا إلى القاهرة ومنها عادوا فرادى إلى صنعاء إما مباشرة أو عن طريق عدن [مع أنه في مذكرات الضباط الآخرون أن ضباط الطرف الآخر طرف علي سيف الخولاني التقوا حسن العمري في القاهرة وعادوا معه].
وقد عاد عبد الرقيب إلى صنعاء وإلى وحدته التي كانت ترابط في جبل عيبان، وجاءت الأخبار أنه يعيد ترتيبها وإعدادها لجولة ثانية على أن يسحبها مع وحدة المظلات إذا فشلتا إلى الجنوب بكامل أسلحتهم. [هذا الجزء من الرواية نفاها اللواء يحيى الكحلاني وهو أحد أصدقاء عبدالرقيب المنفيين معه].
وجاء الفريق حسن العمري يعتب، وهو على حق في عتبه، ويقول: إن التسامح الذي أبديناه مع رؤوس الفتنة قد جرأهم على معاودة إشعال الفتنة مرة أخرى، وعزّ علينا أن تتحول الوحدتان اللتان كان لهما النصيب الأوفر في حماية الثورة إلى معاول هدم لروح هذه الثورة ونظامها الجمهوري، وكان حالنا من الجانبين حال
القائل: هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي. وقلت للفريق: سنعالج الموضوع مرة أخرى، واستدعيت عبد الرقيب إلي وقلت له: إن بقاءك في الوحدة مرتهن بموافقة القائد العام، ولا بد لك من أن تذهب إليه وتتفاهم معه.
وذهب إليه وتفاهموا، وعاد إلى الوحدة، ولكن سرعان ما عادت حليمة لعادتها القديمة. وكان عبد الرقيب قد نزل في بيت بجانب الكهرباء، فبلغ القائد العام الفريق العمري أن عبد الرقيب ينوي الانسحاب بقواته إلى عدن، فاستدعاه الفريق العمري إليه وأوقفه لدن الحرس، ولكنه تمكن من الفرار ولجأ إلى بيت العقيد علي سيف الخولاني وكانا قد أصبحا صديقين بعد الزمالة في المنفى، وقد أمر القائد العام بمحاصرته، وتولى ذلك جنود من الصاعقة والمظلات.!! [ضع هنا خط وعلامتي استفهام وتعجب]!
وصلت من تعز وهو محاصر، وأردت التدخل لصالح عبد الرقيب، وبعثت له أماناً على حياته وعلى شرفه، فرفض الأمان [كيف يرفض الأمان وهو محاصر وليس معه سلاح ولا نصير؟ّ!]، واتصلت بالقائد العام معطياً تأكيداً بضرورة إلزام المحيطين بالبيت أن يتجنبوا أي حركة استفزازية، بل يكتفوا بضرب نطاق الحصار حتى يؤوب إليه رشده ويستسلم، أو نبحث نحن عن وسيلة لحل المشكلة وإرسال مجموعة من مشائخ تعز لإقناعه وتطمينه. وبينما نحن في الحديث مع الفريق العمري، وهو يؤكد على أنه حريص بأن لا يمس عبد الرقيب بسوء، إذا بأحد الضباط يصل ويقول: إن عبد الرقيب غافل المحاصرين له وأطلق الرصاص فجرح جندياً من الصاعقة وقتل آخر من المظلات وقُتِل [على أساس أن هاتين الوحدتين تابعتان له وينوي سحبهما بأسلحتهما إلى الجنوب.. تناقض رهيب!!].
وقد اختلفت الروايات في قتله؛ فالعقيد علي سيف الخولاني يؤكد أنه انتحر حين شعر بأنه لا بد من القبض عليه، وكان قد نفد كل ما في رشاشه من ذخيرة فأطلق الطلقة الأخيرة على نفسه. [تحت كل سطر من سطور الرواية عدة ملاحظات وعلامات استفهام كبيرة، وكيف تختلف الروايات على الرجل الأول في الدولة الممسك بكل خيوط السياسة وأجهزة الدولة؟]!
هذه الرواية الرسمية للحادثة من قبل الإرياني والعمري تم تسريبها للصحفي اللبناني فؤاد مطر، وهو الصحفي المقرب من مصادر القرار السياسي اليمني للسلطة القائمة، وكذا السلطات المصرية حينها، والذي كان يتم تسريب إليه كثير من المعلومات من مصادرها حتى يتم نشرها في الصحف اللبنانية، لتظل هذه الرواية هي الرواية المسيطرة على الحادثة، والمصدر الصحفي الوحيد لحادثة التصفية والاغتيال، ولم تكن هناك رواية أخرى من قبل الطرف الآخر أو من المقربين منه؛ لأنه كان محاصراً من كل شيء ومجرداً من أبسط الأشياء، حتى يتم التأكد أو النفي للحادثة والوقوف على معلومة نهائية ومثبتة، فقد تم إنهاء كل الارتباطات بالطرف المغتال، وهو طرف عبدالرقيب وزملائه الآخرين!
لكن حتى الذين كانوا في طرف عبدالرقيب يأخذون بهذه الرواية مع بعض التحوير فيها؛ كون الجميع لا يعرف ما الذي جرى بالضبط في هذه العملية. أ.هـ (مذكرات الإرياني: ج3)
ثانياً: رواية الشعيبي السكرتير الصحفي للعمري
كان مصرع عبدالرقيب عبدالوهاب في تبادل لإطلاق النار بينه وبين جنود الحكومة داخل منزل العقيد علي سيف الخولاني، الذي كان قد احتمى فيه بعد ظهر أحد الأيام إثر خلاف نشب بين حراسه ودورية عسكرية حكومية، أسفر عن مصرع بعض أفراد الدورية. قدم علي سيف الخولاني بعد ساعة أخبار لجوء عبدالرقيب إلى منزله، وذلك إلى الفريق العمري الذي كنت موجوداً لديه؛ حيث طلب منه السماح له بالتوسط وإلقاء القبض عليه دون حاجة إلى استخدام العنف معه، ووافق الفريق العمري على ذلك، وذهب علي سيف الخولاني صحبة بعض الجنود إلى منزله مطالباً إياه بتسليم نفسه في وجهه، غير أنه رفض، حسب رواية علي سيف الخولاني، لقي إثر ذلك الرفض مصرعه بعد تبادل إطلاق النار مع الجنود الرسميين الحكوميين، أسدل بعد ذلك الستار على مسرحية خلاف واقتتال إخوة السلاح، أعقبه ملاحقة ومطاردة قيادة المقاومة الشعبية وحلها، وانفتاح أبواب السجون والمعتقلات للعناصر الحزبية.(عبدالناصر والفريق العمري: صـ410).
ثالثاً: رواية صديقه وأحد المنفيين معه إلى الجزائر اللواء يحيى محمد الكحلاني
ذات ليلة التقيت بالنقيب عبدالرقيب عبدالوهاب في شارع جمال قبل مقتله بيومين وقلت له: ياعبدالرقيب، لماذا تسكن في هذا البيت المنعزل؟ تعال واسكن في بيتي أو اسكن في فندق صنعاء أو لدى أحد الزملاء؛ لأن هؤلاء حاقدون عليك وسيخلقون لك المشاكل، وقد أصبحت وحيداً.
فقال لي: أنا ليس لي علاقة بما يحصل، وليس لدي أي أغراض أخرى، ولا أسعى إلى أي انقلاب. وأقولها للأمانة بأن الفريق العمري كان يحب عبدالرقيب عبدالوهاب أكثر من أولاده، ويقدره ويعزه، وكان معجباً به وببطولاته لأنه يعرف أنه بطلاً، وكان له دور كبير في حرب السبعين، لكن السيئين المحيطين بالفريق العمري حاولوا بقدر الإمكان إثارة الفريق العمري ضد عبدالرقيب، واستغلوا طيبته وأخلاقه وقبليته.
وحصل في إحدى الليالي أن قامت أفراد من الصاعقة التي يقودها حسين الهمامي بهجوم على منزل عبدالرقيب فهرب من البيت واتجه إلى منزل العقيد علي سيف الخولاني الذي اتجه في صباح اليوم التالي إلى منزل اللواء حمود الجائفي، وكان في حديقته يشرب الشاي مع اللواء حسين الدفعي والقاضي عبدالسلام صبرة، وعندما وصل إليهم أخبرهم بأن عبدالرقيب عبدالوهاب موجود لديه في منزله، وأن حراسة الفريق وأفراد من الصاعقة يبحثون عنه في كل مكان. بعدها أْبلغ علي سيف الخولاني بأن لا يخبر أحداً عن مكان عبدالرقيب، فقام أحد الموجودين في الحديقة وذهب إلى الفريق العمري وأخبره بأن عبدالرقيب عبدالوهاب موجود في منزل علي سيف الخولاني، فتحركت مجموعة من الصاعقة ومجموعة من حرس الفريق العمري واتجهوا إلى منزل علي سيف الخولاني وبدأوا بضرب النار مباشرة دون الدعوة إلى استسلامه أو خروجه، فاستشهد عبدالرقيب مباشرة، بعد ذلك دخلوا وأخرجوه وسحلوه من منزل علي سيف الخولاني حتى مبنى الاتصالات في التحرير، وقاموا بتعليقه، فكانت المجاميع الموجودة هناك من أفراد الشعب في قمة الحزن والأسى والاستنكار لبطل النصر في السبعين بأن يقتل بهذه الطريقة البشعة، فهل هذا هو جزاء ثباته ودفاعه عن العاصمة صنعاء في حصار السبعين يوماً؟! وبلغ الخبر المناضل الشيخ أحمد علي المطري فخرج ومجموعة من أهله وأصدقائه إلى ميدان التحرير وأخذوا عبدالرقيب وغسلوه وكفنوه وتم دفنه في مقبرة خزيمة، وقام أهله بالبحث عن قبره فوجدوه وتعرفوا عليه.
(صحيفة الثورة althawra-news.net/).
.....يتبع