”حبيبي ولا على باله” و”أجمل إحساس”: ألحان خلدت المصري محمد رحيم
لم يكن الملحن المصري الشاب محمد رحيم (1979-2024) يدرك أن الفصل الأخير من حياته سيُكتب بهذه السرعة. في فبراير الماضي، أعلن اعتزاله الموسيقى في لحظة صادمة لجمهوره، لكنه عاد عن قراره استجابةً لضغط محبيه في لقاء تلفزيوني مؤثر. كان ذلك بمثابة محاولة أخيرة لاستكمال رحلته مع الألحان التي كانت مزيجاً من الفرح والبكاء.
رحل رحيم أول من أمس عن 45 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً موسيقياً مميزاً يُعد بمثابة شهادة على تحول كبير في موسيقى البوب العربي.
ميلاد موهبة استثنائية
بدأت مسيرة رحيم وهو في الثامنة عشرة فقط، حين اكتشفه الفنان حميد الشاعري وقدمه للنجم عمرو دياب.
أول ألحانه، "وغلاوتك"، ضمن ألبوم "عودوني" عام 1998، كانت بداية قوية، لتعلن ولادة جيل جديد من الملحنين الشباب الذين أحدثوا ثورة في صناعة الموسيقى المصرية والعربية
. كان رحيم، بمعنى ما، حجر الأساس لجيل كامل، حيث لحقه أسماء لامعة مثل عمرو مصطفى وشريف تاج وخالد عز.
إبداع بين الحداثة والأصالة
تميز محمد رحيم بقدرته على المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية، مما خلق لحناً فريداً يمثل نقطة التقاء بين عصور مختلفة.
كانت ألحانه جسرًا يربط بين روح الثمانينيات وتطلعات الألفية الجديدة، كما في "حبيبي ولا على باله"، التي عززت مكانة عمرو دياب عالمياً، أو أغنية "أجمل إحساس" لإليسا، التي أوصلتها إلى قمة الشهرة.
رغم النجاح الذي حققه، عانى رحيم من تهميش المؤسسات الفنية في مصر، وهو ما عبر عنه في لقاءاته الأخيرة. مع ذلك، ظل صوته مختلفاً ومميزاً في كل عمل قدمه، حتى مع مغني الصف الثاني أو الأصوات الجديدة، مثل روبي في "ليه بيداري كده"، وهيثم شاكر في "أحلف بالله"، حيث صنع منهما نجومًا.
خصائص لحنية فريدة
كان أسلوب رحيم يتسم بلمسة طفولية مبهجة، لكنه أيضاً عميق ومبتكر. أبرز ما يميزه هو تكرار الكلمات والعبارات بأسلوب تصاعدي يُثري التعبير العاطفي في الأغنية، كما يظهر في "يا سلام" لإيهاب توفيق و"إيه ده بقى" لحكيم.
اعتمد رحيم في كثير من أعماله على مزج البوب الغربي مع الطابع المصري الشعبي، مما جعل ألحانه مرتبطة بشكل خاص بالشارع المصري وروحه الاحتفالية.
بين الكلاسيكية والابتكار
تأثرت ألحان رحيم بالتراث الشرقي بشكل كبير، لكنه كان يقدمها بلمسة عصرية. في أغنية "وحكايتك إيه" لعمرو دياب، مزج بين الأسلوب الشرقي التقليدي والأنغام التركية بطريقة حديثة.
وفي "يونس" لمحمد منير، استخدم مقام العجم، ليعيد إنتاج حالة موسيقية نادرة تحمل طابعًا أسطوريًا.
إرث لن يُنسى
لم يكن محمد رحيم مجرد ملحن جيل، بل كان روحًا موسيقية متمردة ومبدعة. من "وغلاوتك" إلى أعماله الأخيرة، كان حاضراً في قلب التحولات الموسيقية التي عاشتها المنطقة خلال العقدين الماضيين.
ورغم قصر حياته، فإن أعماله ستظل شاهداً على موهبة فذة وموسيقى أحدثت فرقاً في تاريخ الغناء العربي.
برحيله، طُويت صفحة من صفحات الإبداع الموسيقي العربي، لكن ألحانه ستظل خالدة في ذاكرة جمهوره وأصدقائه، كجزء لا يتجزأ من هوية موسيقى البوب العربية الحديثة.