الخميس 21 نوفمبر 2024 10:59 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

السعودية و رهانات التحولات الكبرى: عملاق السياسة في معركة الدبلوماسية ومواجهة استراتيجية التشويه الممنهجة

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 08:55 صـ 19 جمادى أول 1446 هـ

في المشهد الإقليمي والدولي المتغير، تبرز السعودية كرقم صعب في معادلة الاستقرار الإقليمي، وقوة دافعة لجهود السلام والتنمية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، تواجه المملكة تحديات متشابكة، تتجاوز الإطار التقليدي للصراعات المباشرة، لتصل إلى مستويات أعمق من الاستهداف الممنهج، عبر حملات إعلامية منظمة تهدف إلى تقويض مكانتها الإقليمية والدولية. وهذه الحملات ليست مجرد عوارض لحالة الصراع السياسي، بل تبدو كجزء من استراتيجية أوسع، تسعى إلى عزل السعودية عن محيطها العربي والدولي، والتشكيك في قدرتها على قيادة التغيرات الكبرى في المنطقة.

التحليل المتأني للواقع الراهن يكشف أن ما تواجهه المملكة ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لسنوات من العمل على إعادة تشكيل خارطة التحالفات الإقليمية، ومحاولات متكررة لتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط. ومع كل خطوة تتخذها السعودية لتعزيز مكانتها أو لتحقيق أهداف دبلوماسية كبرى، تقابل بتحركات مضادة تهدف إلى تقويض هذه الجهود. ولعل الحملة الإعلامية الحالية التي تستهدف المملكة هي أبرز تجليات هذا الصراع، الذي يعتمد على أدوات ناعمة تسعى إلى خلق صورة مشوهة للسعودية، وإبعادها عن دائرة التأثير الإيجابي في القضايا المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

السعودية اليوم تعمل بمنهجية دبلوماسية فريدة، تتسم بالتوازن والواقعية، في وقت أصبحت فيه المنطقة العربية ساحة مفتوحة للتوترات. في ظل هذا المشهد، تقود المملكة جهودًا مكثفة لتحقيق اختراقات دبلوماسية في القضية الفلسطينية، وهي القضية التي تشكل حجر الزاوية في أمن واستقرار المنطقة. فالسعودية تدرك جيدًا أن تحقيق حل عادل وشامل لهذه القضية لن يعود بالنفع فقط على الفلسطينيين، بل سيمثل ركيزة لاستقرار الشرق الأوسط بأسره. ومع ذلك، تتعرض هذه الجهود لتجاهل متعمد، بل وتشويه ممنهج، يعكس حجم التحديات التي تواجهها المملكة في معركتها الدبلوماسية.

المتابع للمشهد يدرك أن السعودية لا تعمل بمعزل عن محيطها، بل تسعى إلى بناء تحالفات دولية وإقليمية متوازنة، تضمن تعزيز مصالحها الوطنية والقومية، وفي الوقت نفسه تخدم القضايا العربية الكبرى. ومع ذلك، فإن نجاحاتها هذه أصبحت مصدر قلق لبعض الأطراف التي ترى في صعود المملكة تهديدًا لتوازنات القوى التقليدية. وهنا، تدخل الحملات الإعلامية كأداة رئيسية في محاولات تقويض دور المملكة، من خلال بث رسائل تهدف إلى النيل من مصداقيتها وتشويه صورتها أمام الرأي العام العربي والدولي.

المثير في هذه الحملات أنها لا تعتمد فقط على التضليل الإعلامي، بل تعمل على خلق حالة من اللامبالاة في الشارع العربي تجاه السعودية، وهو ما يُظهر بوضوح أن الهدف ليس فقط ضرب سمعة المملكة، بل أيضًا عزلها عاطفيا عن عمقها العربي والإسلامي. وعندما تحين لحظة الحقيقة، يراهن من يقود هذه الحملات على أن الشعوب العربية ستبقى متفرجة، غير مكترثة بأي تهديد قد تواجهه السعودية. وهذه الاستراتيجية تعتمد على استنزاف المملكة نفسيًا وإعلاميًا، وخلق انطباع بأنها تتحرك دون ظهير شعبي أو دعم عربي.

ومع ذلك، فإن اي قراءة متأنية للواقع تظهر أن السعودية نجحت، رغم كل هذه التحديات، في الحفاظ على مركزيتها، بل وتعزيز دورها في بعض الملفات الحساسة. فبينما تتوالى الحملات الإعلامية ضدها، تعمل المملكة بخطى ثابتة على تحقيق اختراقات دبلوماسية تعيد للقضية الفلسطينية زخمها الدولي، وتحشد التأييد لحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة. فالسعودية تدرك أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وأن تجاهلها لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى والتوتر. ومن هنا، يأتي تصميم المملكة على استخدام ثقلها السياسي والاقتصادي لتحقيق حل عادل ودائم، يضمن استقرار المنطقة بأسرها.

في هذا السياق لا يمكن فصل الحملة الإعلامية ضد السعودية عن المشهد الإقليمي الأوسع، الذي يتسم بحالة من التنافس الشديد على إعادة رسم خرائط النفوذ. فالسعودية، التي تحمل مشروعًا يقوم على تحقيق التنمية والاستقرار، تقف في مواجهة مشاريع أخرى تسعى إلى تكريس الفوضى أو الهيمنة. وفي ظل هذه المعادلة، يصبح واضحا أن الحملات الإعلامية ليست سوى أداة في صراع أكبر، يتجاوز حدود الإعلام إلى صلب الاستراتيجيات الإقليمية والدولية.

اللافت في تعامل السعودية مع هذه الحملات هو أنها لم تنجر إلى ردود فعل عشوائية أو انفعالية، بل اتخذت مسارًا هادئًا ومتزنًا، يعتمد على إبراز الحقائق عبر القنوات الرسمية والدبلوماسية. فالمملكة تدرك أن قوتها الحقيقية تكمن في مصداقيتها وفي إنجازاتها على أرض الواقع، وليس في الدخول في معارك إعلامية لن تغير شيئًا من الحقائق. وهذه المقاربة تعكس نضجا سياسيا، ووعيا بأهمية التركيز على الأهداف الاستراتيجية بدلًا من الانشغال بصراعات جانبية.

والواقع أن السعودية تواجه اليوم اختبارًا كبيرا، لكنه ليس الأول من نوعه. فالمملكة التي نجحت في تجاوز محاولات سابقة لزعزعة استقرارها، أثبتت أنها تمتلك أدوات القوة الناعمة والخشنة التي تمكنها من حماية مصالحها وتحقيق أهدافها. في عالم متغير، حيث تتسارع الأحداث بشكل غير مسبوق، تظل السعودية لاعبا رئيسيا، قادرًا على التكيف مع المتغيرات، وفرض معادلات جديدة تخدم استقرار المنطقة.

وفي النهاية فإن الحملة الإعلامية ضد السعودية، على الرغم من شدتها واتساعها، لن تحقق أهدافها. فالمملكة التي أثبتت مرونتها في مواجهة التحديات السابقة، قادرة على تجاوز هذا التحدي أيضًا. والأهم من ذلك، أن السعودية تواصل العمل من أجل تحقيق رؤيتها لمستقبل عربي مستقر ومزدهر، واضعة القضية الفلسطينية في قلب أولوياتها، كجزء من مسؤوليتها التاريخية تجاه الأمة العربية والإسلامية. وفي هذا السياق، ستبقى السعودية قوة لا يمكن تجاوزها، مهما بلغت محاولات التشويه أو العزل.